فصل: فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى اللُّبْسِ وَالْكِسْوَةِ:

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى اللُّبْسِ وَالْكِسْوَةِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ رِدَاءً فَاِتَّزَرَ بِالسَّرَاوِيلِ أَوْ الْقَمِيصِ أَوْ الرِّدَاءِ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا إذَا أَعْتَمَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَادَةُ وَالِاتِّزَارُ وَالتَّعَمُّمُ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَحْنَثُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ أَوْ هَذَا الرِّدَاءَ فَعَلَى أَيِّ حَالٍ لَبِسَ ذَلِكَ حَنِثَ وَإِنْ اتَّزَرَ بِالرِّدَاءِ وَارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ اغْتَسَلَ فَلَفَّ الْقَمِيصَ عَلَى رَأْسِهِ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذِهِ الْعِمَامَةَ فَالِقَاهَا عَلَى عَاتِقِهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ إذَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ اُعْتُبِرَ فِيهَا وُجُودُ الِاسْمِ وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الصِّفَةُ الْمُعْتَادَةُ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الْحَاضِرِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَالِاسْمُ بَاقٍ وَهَذَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فَيَحْنَثُ بِهِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حَرِيرًا فَلَبِسَ مُصَمَّتًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الثَّوْبَ يُنْسَبُ إلَى اللُّحْمَةِ دُونَ السَّدَاءِ لِأَنَّهَا هِيَ الظَّاهِرَةُ مِنْهُ وَالسِّدَاءُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَنَظِيرُ مَسَائِلِ الْبَابِ مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصَيْنِ فَلَبِسَ قَمِيصًا ثُمَّ نَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَلْبَسَهُمَا مَعًا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لُبْسِ الْقَمِيصَيْنِ فِي الْعُرْفِ هُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسُ هَذَيْنِ الْقَمِيصَيْنِ فَلَبِسَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ نَزَعَهُ وَلَبِسَ الْآخَرَ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ هاهنا وَقَعَتْ عَلَى عَيْنٍ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الِاسْمُ دُونَ اللُّبْسِ الْمُعْتَادِ وَقَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَبِسَ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ أَوْ دِرْعَ امْرَأَةٍ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ قَلَنْسُوَةً أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلُّهُ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ اللُّبْسِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ سِلَاحًا فَتَقَلَّدَ سَيْفًا أَوْ تَنَكَّبَ قَوْسًا أَوْ تُرْسًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى لُبْسًا يُقَالُ تَقَلَّدَ السَّيْفَ وَلَا يُقَالُ لَبِسَهُ وَلَوْ لَبِسَ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ حَنِثَ لِأَنَّ السِّلَاحَ هَكَذَا يُلْبَسُ وَقَالُوا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قُطْنًا فَلَبِسَ ثَوْبَ قُطْنٍ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَا يَحْتَمِلُ اللُّبْسَ حَقِيقَةً فَيُحْمَلُ عَلَى لُبْسِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ فَإِنْ لَبِسَ قَبَاءً لَيْسَ بِقُطْنٍ وَحَشْوُهُ قُطْنٌ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْحَشْوَ لِأَنَّ الْحَشْوَ لَيْسَ بِمَلْبُوسٍ فَلَا تَتَنَاوَلُهُ الْيَمِينُ فَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مِنْ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْقُطْنِ تَتَنَاوَلُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ وَبَعْضُ الثَّوْبِ يُتَّخَذُ مِنْهُ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَيَقْطَعَن مِنْ هَذَا الثَّوْبِ قَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا فَلَبِسَهُ مَا شَاءَ ثُمَّ قَطَعَ مِنْ الْقَمِيصِ سَرَاوِيلَ فَلَبِسَهُ فَإِنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْقَمِيصَ يُسَمَّى ثَوْبًا فَقَدْ قُطِعَ الثَّوْبُ سَرَاوِيلَ وَاسْمُ الثَّوْبِ لَمْ يَزُلْ فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى قَمِيصٍ لَيَقْطَعَن مِنْهُ قَبَاءً وَسَرَاوِيلَ فَقَطَعَ مِنْهُ قَبَاءً فَلَبِسَهُ أَوْ لَمْ يَلْبَسْهُ ثُمَّ قَطَعَ مِنْ الْقَبَاءِ سَرَاوِيلَ فَإِنَّهُ قَدْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ حِينَ قَطَعَ الْقَمِيصَ قَبَاءً لِأَنَّهُ قَطَعَ السَّرَاوِيلَ مِمَّا لَا يُسَمَّى قَمِيصًا وَيَمِينُهُ أَقْتَضَتْ أَنْ يَقْطَعَ السَّرَاوِيلَ مِنْ قَمِيصٍ لَا مِنْ قَبَاءٍ.
وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَجْعَلْ مِنْ هَذَا الثَّوْبِ قَبَاءً وَسَرَاوِيلَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَجَعَلَهُ كُلَّهُ قَبَاءً وَخَاطَهُ ثُمَّ نَقَضَ الْقَبَاءَ وَجَعَلَهُ سَرَاوِيلَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَنَى أَنْ يَجْعَلَ مِنْ بَعْضِهِ هَذَا أَوْ بَعْضِهِ هَذَا وَهُوَ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى.
وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَقَطَعَهُ سَرَاوِيلِينَ فَلَبِسَ سَرَاوِيلَ بَعْدَ سَرَاوِيلَ لَا يَحْنَثُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا صَارَ سَرَاوِيلِينَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا لِأَنَّ لُبْسَ الثَّوْبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يُلْبَسُ جَمِيعُهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَأَخَذَ مِنْهُ قَلَنْسُوَاتٍ فَلَبِسَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَهُ قَلَنْسُوَاتٍ لَمْ يَبْقَ اسْمُ الثَّوْبِ لِأَنَّ الْقَلَنْسُوَةَ لَا تُسَمَّى ثَوْبًا وَإِنْ قَطَعَهُ قَمِيصًا فَفَضَلَ مِنْهُ فَضْلَةٌ عَنْ الْقَمِيصِ رُقْعَةٌ صَغِيرَةٌ يَتَّخِذُ مِنْهَا لَبِنَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَانَ لَابِسًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُمَّانَةً فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً وَكَذَا لَوْ اتَّخَذَ مِنْ الثَّوْبِ جَوَارِبَ فَلَبِسَهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَهُ جَوَارِبَ زَالَ اسْمُ الثَّوْبِ عَنْهَا.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَقَطَعَ بَعْضَهُ فَلَبِسَهُ فَإِنْ كَانَ لَا يَكُونُ مَا قَطَعَ إزَارًا أَوْ رِدَاءً لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ حَنِثَ وَإِنْ قَطَعَهُ سَرَاوِيلَ فَلَبِسَهُ حَنِثَ لِأَنَّ اسْمَ الثَّوْبِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا تُسْتَرُ بِهِ الْعَوْرَةُ وَأَدْنَى ذَلِكَ الْإِزَارُ فَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِلُبْسِ ثَوْبٍ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا حَلَفَتْ لَا تَلْبَسُ ثَوْبًا فَلَبِسَتْ خِمَارًا أَوْ مِقْنَعَةً لَمْ تَحْنَثْ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْخِمَارُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ مِقْدَارَ الْإِزَارِ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ الْإِزَارَ حَنِثَ بِلُبْسِهِ وَإِنْ لَمْ تُسْتَرْ بِهِ الْعَوْرَةُ وَكَذَلِكَ إذَا لَبِسَ الْحَالِفُ عِمَامَةً لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَلُفَّ عَلَى رَأْسِهِ وَيَكُونَ قَدْرَ إزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ أَوْ يَقْطَعَ مِنْ مِثْلِهَا قَمِيصًا أَوْ دِرْعًا أَوْ سَرَاوِيلَ لِأَنَّ الْعِمَامَةَ إذَا لَمْ تَبْلُغْ مِقْدَارَ الْإِزَارِ فَلَابِسُهَا لَا يُسَمَّى لَابِسَ ثَوْبٍ فَلَمْ يَحْنَثْ وَإِذَا بَلَغَتْ مِقْدَارَ الْإِزَارِ أَوْ الرِّدَاءِ فَقَدْ لَبِسَ مَا يُسَمَّى ثَوْبًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ بَدَنِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ عَلَى رَأْسِهِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ وَلَمْ يَقُلْ ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ فِي التِّكَّةِ وَالزِّرِّ وَالْعُرْوَةِ وَاللَّبِنَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلُبْسٍ فِي الْعَادَةِ وَلَا يُقَالُ لِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ لَابِسٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ لَبِسَ رُقْعَةً فِي ثَوْبٍ شِبْرًا فِي شِبْرٍ حَنِثَ لِأَنَّ هَذَا عِنْدَهُ فِي حُكْمِ الْكَثِيرِ فَصَارَ لَابِسًا لَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا لَا يَحْنَثُ فِي الْعِمَامَةِ وَالْمِقْنَعَةِ وَيَحْنَثُ فِي السَّرَاوِيلِ وَقَدْ قَالُوا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ ثَوْبَ خَزٍّ غَزَلَتْهُ حَنِثَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْسَبُ إلَى الثَّوْبِ فَإِنَّهُ كَانَ كِسَاءٌ مِنْ غَزْلِهَا سُدَاهُ قُطْنٌ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُسَمَّى ثَوْبًا حَنِثَ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَنَسَجَهُ غِلْمَانُهُ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ يَعْمَلُ بِيَدِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَلْبَسَ مِنْ عَمَلِهِ وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ لَا يَعْمَلُ بِيَدِهِ حَنِثَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النَّسْجِ مَا فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ يُحْمَلْ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يُحْمَلْ عَلَى الْمَجَازِ فَإِذَا كَانَ فُلَانٌ لَا يَنْسِجُ بِيَدِهِ لَمْ تَكُنْ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً بِالْيَمِينِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْعَمَلِ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا مِنْ السَّوَادِ قَالَ هَذَا عَلَى مَا يَلْبَسُ مِثْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ فِي التِّكَّةِ وَالزِّرِّ وَالْعُرْوَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلُبْسٍ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَكْسُو فُلَانًا شَيْئًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَكَسَاهُ قَلَنْسُوَةً أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ جَوْرَبَيْنِ حَنِثَ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ اسْمٌ لِمَا يُكْسَى بِهِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَرَوَى عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يَكْسُو امْرَأَةً فَبَعَثَ إلَيْهَا مِقْنَعَةً قَالَ لَا يَحْنَثُ فَجَعَلَ الْكِسْوَةَ عِبَارَةً عَمَّا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَأَجْرَى ذَلِكَ مَجْرَى قَوْلِهِ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَكْسُو فُلَانًا ثَوْبًا فَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْسُهُ وَإِنَّمَا وَهَبَ لَهُ دَرَاهِمَ وَشَاوَرَهُ فِيمَا يَفْعَلُ بِهَا وَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِثَوْبٍ كِسْوَةً حَنِثَ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُرْسَلِ.

.فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى الرُّكُوبِ:

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الرُّكُوبِ إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَهُوَ عَلَى الدَّوَابِّ الَّتِي يَرْكَبُهَا النَّاسُ فِي حَوَائِجِهِمْ فِي مَوَاضِعِ إقَامَتِهِمْ فَإِنْ رَكِبَ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً لَمْ يَحْنَثْ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فِي رُكُوبِ كُلِّ حَيَوَانٍ لِأَنَّ الدَّابَّةَ اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا وَحَمَلُوا الْيَمِينَ عَلَى مَا يَرْكَبُهُ النَّاسُ فِي الْأَمْصَارِ وَلِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ غَالِبًا وَهُوَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ تَخْصِيصًا لِلْعُمُومِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ كُلَّ حَيَوَانٍ فَحَمَلْنَا مُطْلَقَ كَلَامِهِ عَلَى الْعَادَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفِيلَ وَالْبَقَرَةَ وَالْبَعِيرَ لَا يُرْكَبُ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ فِي الْأَمْصَارِ عَادَةً فَإِنْ نَوَى فِي يَمِينِهِ الْخَيْلَ خَاصَّةً دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْعُمُومِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَسًا فَرَكِبَ بِرْذَوْنًا أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ بِرْذَوْنًا فَرَكِبَ فَرَسًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْفَرَسَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَرَبِيِّ وَالْبِرْذَوْنَ عَنْ الشَّهْرِيِّ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا عَرَبِيًّا فَكَلَّمَ عَجَمِيًّا.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ، وَقَالَ نَوَيْت الْخَيْلَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ الرُّكُوبَ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ الْخَيْلَ فَرَكِبَ بِرْذَوْنًا أَوْ فَرَسًا يَحْنَثْ لِأَنَّ الْخَيْلَ اسْمُ جِنْسٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً وَهُوَ رَاكِبُهَا فَمَكَثَ عَلَى حَالِهِ سَاعَةً وَاقِفًا أَوْ سَائِرًا حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرُّكُوبَ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ وَيَتَجَدَّدُ أَمْثَالُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ وَهُوَ لَابِسٌ أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ وَهُوَ جَالِسٌ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ نَزَلَ عَقِيبَ يَمِينِهِ أَوْ نَزَعَ أَوْ قَامَ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةً لِعَبْدِ فُلَانٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْعَبْدِ دُونَ الْمَوْلَى وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْعَبْدِ فَلَمْ يَحْنَثْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً فَيَحْنَثُ بِرُكُوبِهَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا وَلَا نَوَى شَيْئًا فَرَكِبَ سَفِينَةً أَوْ مَحْمَلًا أَوْ دَابَّةً بِإِكَافٍ أَوْ سَرْجٍ حَنِثَ لِوُجُودِ الرُّكُوبِ أَمَّا فِي الدَّابَّةِ بِالسَّرْجِ وَالْإِكَافِ فَلَا شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا فِي السَّفِينَةِ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى ذَلِكَ رُكُوبًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا} وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى الْجُلُوسِ:

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْجُلُوسِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ثِيَابِهِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ حَصِيرٌ أَوْ بِوَرَى أَوْ بِسَاطٌ أَوْ كُرْسِيٌّ أَوْ شَيْءٌ بَسَطَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْجَالِسَ عَلَى الْأَرْضِ مَنْ بَاشَرَ الْأَرْضَ وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا شَيْءٌ هَذَا هُوَ الْجُلُوسُ عَلَى الْأَرْضِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهَا بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ مِنْ ثِيَابِهِ يُسَمَّى جُلُوسًا عَلَى الْأَرْضِ عُرْفًا وَإِذَا حَالَ بَيْنَهُمَا مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ مِنْ الْبِسَاطِ وَالْحَصِيرِ لَا يُسَمَّى جُلُوسًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ جَلَسَ عَلَى الْبِسَاطِ وَالْحَصِيرِ لَا عَلَى الْأَرْضِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ أَوْ هَذَا الْحَصِيرِ أَوْ هَذَا الْبِسَاطِ فَجَعَلَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ ثُمَّ جَلَسَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْجُلُوسَ يُضَافُ إلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الطِّنْفِسَةَ إذَا جُعِلَتْ عَلَى الْبُورِيِّ لَا يُقَالُ جَلَسَ عَلَى الْبُورِيِّ بَلْ يُقَالُ جَلَسَ عَلَى الطِّنْفِسَةِ وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ الْفِرَاشَ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ الْبِسَاطَ عَلَى الْبِسَاطِ.
وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْفِرَاشِ خَاصَّةً فَقَالَ إذَا حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ وَنَامَ عَلَيْهِ حَنِثَ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مَقْصُودَانِ بِالنَّوْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُجْعَلُ لِزِيَادَةِ التَّوْطِئَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ قِرَامًا أَوْ مَحْبِسًا حَنِثَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُقَالَ نَامَ عَلَى الْفِرَاشِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ أَوْ عَلَى هَذَا الدُّكَّانِ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ فَجَعَلَ فَوْقه مُصَلًّى أَوْ فُرُشًا أَوْ بِسَاطًا ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُقَالُ جَلَسَ الْأَمِيرُ عَلَى السَّرِيرِ وَإِنْ كَانَ فَوْقَهُ فِرَاشٌ وَيُقَالُ نَامَ عَلَى السَّطْحِ وَإِنْ كَانَ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ فَلَوْ جَعَلَ فَوْقَ السَّرِيرِ سَرِيرًا أَوْ بَنَى فَوْقَ الدُّكَّانِ دُكَّانًا أَوْ فَوْقَ السَّطْحِ سَطْحًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْجُلُوسَ يُضَافُ إلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا كَانَ نَوَى مُبَاشَرَتَهُ وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ فَوْقَهُ شَيْءٌ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ يُعْنَى بِهِ إذَا حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى السَّرِيرِ فَنَامَ عَلَى الْفِرَاشِ فَوْقَ السَّرِيرِ لِأَنَّهُ نَوَى غَيْرَ ظَاهِرِ كَلَامِهِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَنَامُ عَلَى أَلْوَاحِ هَذَا السَّرِيرِ أَوْ أَلْوَاحِ هَذِهِ السَّفِينَةِ فَفَرَشَ عَلَى ذَلِكَ فِرَاشًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ مَا نَامَ عَلَى أَلْوَاحٍ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ فَمَشَى عَلَيْهَا وَفِي رِجْلِهِ خُفٌّ أَوْ نَعْلٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الْأَرْضِ هَكَذَا يَكُونُ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ وَإِنْ مَشَى عَلَى بِسَاطٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَشَى عَلَى الْبِسَاطِ وَجَاءَ فِي الشِّعْرِ:
نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقِ ** نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقِ

وَلَوْ مَشَى عَلَى السَّطْحِ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُقَالُ هَذِهِ أَرْضُ السَّطْحِ وَيُقَالُ لِمَنْ عَلَى السَّطْحِ لَا تَنَمْ عَلَى الْأَرْضِ.

.فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ:

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ وَالْإِيوَاءِ وَالْبَيْتُوتَةِ أَمَّا السُّكْنَى فَإِذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا سَاكِنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنًا فَالسُّكْنَى فِيهَا أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ وَيَنْقُلَ إلَيْهَا مِنْ مَتَاعِهِ مَا يَتَأَثَّثُ بِهِ وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ سَاكِنٌ وَحَانِثٌ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ السُّكْنَى هِيَ الْكَوْنُ فِي الْمَكَانِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِقْرَارِ فَإِنَّ مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ وَبَاتَ فِيهِ لَا يُسَمَّى سَاكِنَ الْمَسْجِدِ وَلَوْ أَقَامَ فِيهِ بِمَا يَتَأَثَّثُ بِهِ يُسَمَّى بِهِ فَدَلَّ أَنَّ السُّكْنَى مَا ذَكَرْنَا وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يَسْكُنُ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَذَلِكَ مَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا سَاكِنًا فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهَا بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ الَّذِينَ مَعَهُ وَمَتَاعِهِ وَمَنْ كَانَ يَأْوِيهَا لِخِدْمَتِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ فِي مَنْزِلِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْ فِي النُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ حَنِثَ.
هَاهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ أَحَدُهَا إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فَانْتَقَلَ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَحْنَثُ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الرَّاكِبِ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ وَاللَّابِسِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ فَنَزَلَ وَنَزَعَ فِي الْحَالِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِي إذَا انْتَقَلَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْنَثُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْنَثُ وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ سُكْنَاهُ وَلَمْ يَسْكُنْ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فِي بَلَدٍ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ فِيهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مُحْتَجًّا عَلَيْنَا إذَا خَرَجْت مِنْ مَكَّةَ وَخَلَّفْت دُفَيْتِرَاتٍ بِهَا أَفَأَكُونُ سَاكِنًا بِمَكَّةَ وَلَنَا أَنَّ سُكْنَى الدَّارِ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يُسْكَنُ بِهِ فِي الْعَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ اسْمٌ لِلْكَوْنِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْرَارِ وَلَا يَكُونُ الْكَوْنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إلَّا بِمَا يُسْكَنُ بِهِ عَادَةً فَإِذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا وَهُوَ فِيهَا فَالْبِرُّ فِي إزَالَةِ مَا كَانَ بِهِ سَاكِنًا فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِقَوْلِهِ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَقَدْ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ وَكُرِهَ سُكْنَاهَا لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الدَّارِ وَالْإِنْسَانُ كَمَا يَصُونُ نَفْسَهُ عَمَّا يَكْرَهُ يَصُونُ أَهْلَهُ عَنْهُ عَادَةً فَكَانَتْ يَمِينُهُ وَاقِعَةً عَلَى السُّكْنَى وَمَا يُسْكَنُ بِهِ عَادَةً فَإِذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ فَيَحْنَثُ.
وَالدَّفَاتِرُ لَا يُسْكَنُ بِهَا فِي الدُّورِ عَادَةً فَبَقَاؤُهَا لَا يُوجِبُ بَقَاءَ السُّكْنَى فَهَذَا كَانَ تَشْنِيعًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِيهَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ سَاكِنَ الدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ وَهُوَ فِي السُّوقِ أَيْنَ تَسْكُنُ؟ يَقُولُ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فِيهِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْبَلَدَ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ بِالْبَصْرَةِ إنَّهُ سَاكِنٌ بِالْكُوفَةِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَمَتَاعِهِ وَتَرَكَ مِنْ أَثَاثِهِ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْنَثُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ الْمَتْرُوكُ لَا يَشْغَلُ بَيْتًا وَلَا بَعْضَ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ وَلَسْت أَجِدُ فِي هَذَا حَدًّا وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَعَلَى مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ.
وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَرَكَ شَيْئًا يَسِيرًا يَعْنِي مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيُسْكَنُ بِمِثْلِهِ.
فَأَمَّا إذَا خَلَّفَ فِيهَا وَتَدًا أَوْ مِكْنَسَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْأَثَاثِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ يُسْكَنُ بِمِثْلِهِ فَصَارَ كَالْوَتَدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ شَرْطَ الْبِرِّ إزَالَةُ مَا بِهِ صَارَ سَاكِنًا فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ بِكَمَالِهِ فَيَحْنَثُ فَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ وَالتَّحَوُّلِ بِنَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ وَأَوْقَعُوهُ وَقَهَرُوهُ لَا يَحْنَثْ وَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا لِأَنَّهُ مَا يَسْكُنُهَا بَلْ أَسْكَنَ فِيهَا فَلَا يَحْنَثْ وَلِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى السُّكْنَى يَجْرِي مَجْرَى الِابْتِدَاءِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ خَارِجُ الدَّارِ فَحُمِلَ إلَيْهَا مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ كَذَا الْبَقَاءُ إذَا كَانَ بِإِكْرَاهٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا خَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ وَخَلَّفَ مَتَاعَهُ كُلَّهُ فِي الْمَسْكَنِ فَمَكَثَ فِي طَلَبِ الْمَنْزِلِ أَيَّامًا ثَلَاثًا فَلَمْ يَجِدْ مَا يَسْتَأْجِرُهُ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَنْزِلِ وَيَضَعَ مَتَاعَهُ خَارِجَ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ النُّقْلَةِ إذْ النُّقْلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَادَةِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَنْزِلٍ إلَى مَنْزِلٍ وَلِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي طَلَبِ الْمَنْزِلِ فَهُوَ مُتَشَاغِلٌ بِالِانْتِقَالِ كَمَا لَوْ خَرَجَ يَطْلُبُ مَنْ يَحْمِلُ رَحْلَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ السَّاكِنُ مُوسِرًا وَلَهُ مَتَاعٌ كَثِيرٌ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَنْقُلُ مَتَاعَهُ فِي يَوْمٍ فَلَمْ يَفْعَلْ وَجَعَلَ يَنْقُلُ بِنَفْسِهِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَمَكَثَ فِي ذَلِكَ سَنَةً قَالَ إنْ كَانَ النَّقْلَانُ لَا يُفَتِّرَانِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِالِاسْتِقْرَارِ بِالدَّارِ وَالْمُتَشَاغِلُ بِالِانْتِقَالِ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ عَلَى أَسْرَعِ الْوُجُوهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِالِانْتِقَالِ الْمُعْتَادِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَسْرَعَ مِنْهُ فَإِنْ تَحَوَّلَ بِبَدَنِهِ.
وَقَالَ ذَلِكَ أَرَدْت فَإِنْ كَانَ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنٌ فِيهَا لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَإِنْ كَانَ حَلَفَ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ.
وَقَالَ نَوَيْت الِانْتِقَالَ بِبَدَنِي دِينَ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا الْمُسَاكَنَةُ فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ سَاكِنًا مَعَ رَجُلٍ فِي دَارٍ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُسَاكِنَ صَاحِبَهُ فَإِنْ أَخَذَ فِي النُّقْلَةِ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ وَإِلَّا حَنِثَ وَالنُّقْلَةُ عَلَى مَا وَصَفْت لَك إذَا كَانَ سَاكِنًا فِي الدَّارِ فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ هِيَ أَنْ يَجْمَعَهُمَا مَنْزِلٌ وَاحِدٌ فَإِذَا لَمْ يَنْتَقِلْ فِي الْحَالِ فَالْبَقَاءُ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ مُسَاكَنَةٌ فَيَحْنَثُ فَإِنْ وَهَبَ الْحَالِفُ مَتَاعَهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ أَعَارَهُ ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ مَنْزِلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَنْزِلًا أَيَّامًا وَلَمْ يَأْتِ الدَّارَ الَّتِي فِيهَا صَاحِبُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ وَهَبَ لَهُ الْمَتَاعَ وَقَبَضَهُ مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ الْعَوْدُ إلَيْهِ فَلَيْسَ بِمُسَاكِنٍ لَهُ فَلَا يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ إنْ أَوْدَعَهُ الْمَتَاعَ ثُمَّ خَرَجَ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى ذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ لِأَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ وَخَرَجَ فَلَيْسَ بِمُسَاكِنٍ إيَّاهُ بِنَفْسِهِ وَلَا بِمَالِهِ وَإِذَا أَوْدَعَهُ فَلَيْسَ بِسَاكِنٍ بِهِ فَلَا يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ إنْ أَوْدَعَهُ الْمَتَاعَ ثُمَّ خَرَجَ وَإِنَّمَا هُوَ فِي يَدِ الْمُودَعِ وَكَذَلِكَ إذَا أَعَارَهُ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي الدَّارِ زَوْجَةٌ فَرَاوَدَهَا عَلَى الْخُرُوجِ فَأَبَتْ وَامْتَنَعَتْ وَحَرَصَ عَلَى خُرُوجِهَا وَاجْتَهَدَ فَلَمْ تَفْعَلْ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالَهَا لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ هُوَ فِي الدَّارِ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ اخْتِيَاره السُّكْنَى بِهِ فَكَذَا إذَا بَقِيَ مَا يُسْكَنُ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَاره وَإِذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَسَاكَنَهُ فِي عَرْصَةِ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ غُرْفَةٍ حَنِثَ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ هِيَ الْقُرَبُ وَالِاخْتِلَاطُ فَإِذَا سَكَنَهَا فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى فَقَدْ وُجِدَ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَيَحْنَثُ فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي دَارٍ هَذَا فِي حُجْرَةٍ وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ أَوْ هَذَا فِي مَنْزِلٍ وَهَذَا فِي مَنْزِلٍ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَارًا كَبِيرَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلُ دَارِ الرَّقِيقِ وَنَحْوِهَا وَدَارِ الْوَلِيدِ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا كُلُّ دَارٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا مَقَاصِيرُ وَمَنَازِلُ.
وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا فَسَكَنَ هَذَا فِي حُجْرَةٍ وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يُسَاكِنَهُ فِي حُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ هِشَامٌ قُلْت فَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَسَكَنَ هَذَا فِي حُجْرَةٍ وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ قَالَ يَحْنَثُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْحُجْرَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ كَالدَّارَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ السَّارِقَ مِنْ إحْدَاهُمَا إذَا نَقَلَ الْمَسْرُوقَ إلَى الْأُخْرَى قُطِعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي دَارٍ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَنْ لَا يَجْمَعَهُمَا دَارٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ جَمَعْتَهُمَا وَإِنْ كَانَا فِي حُجَرِهَا وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ هِيَ الِاخْتِلَاطُ وَالْقُرْبُ فَإِذَا كَانَا فِي حُجْرَتَيْنِ فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ فَقَدْ وُجِدَ الْقُرَبُ فَهُوَ كَبَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ وَإِنْ كَانَا فِي حُجْرَتَيْنِ مِنْ دَارٍ عَظِيمَةٍ فَلَا يُوجَدُ الْقُرَبُ فَهُوَ كَدَارَيْنِ فِي مَحَلَّةٍ فَإِنْ سَكَنَ هَذَا فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ وَهَذَا فِي بَيْتٍ وَقَدْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ لِأَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ كَالْبَيْتِ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ نَقَلَ الْمَسْرُوقَ مِنْ أَحَدِ الْبَيْتَيْنِ إلَى الْآخَرِ لَمْ يُقْطَعْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي حَانُوتٍ فِي السُّوقِ يَعْمَلَانِ فِيهِ عَمَلًا أَوْ يَبِيعَانِ فِيهِ تِجَارَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الْمَنَازِلِ الَّتِي هِيَ الْمَأْوَى وَفِيهَا الْأَهْلُ وَالْعِيَالُ.
فَأَمَّا حَوَانِيتُ الْبَيْعِ وَالْعَمَلِ فَلَيْسَ يَقَعُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ يَنْوِي أَوْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْيَمِينِ بَدَلٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا فَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِمَا وَمَعَانِيهِمَا لِأَنَّ السُّكْنَى عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي يَأْوِي إلَيْهِ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ فُلَانٌ يَسْكُنُ السُّوقَ وَإِنْ كَانَ يَتَّجِرُ فِيهَا فَإِنَّهُ جَعَلَ السُّوقَ مَأْوَاهُ قِيلَ إنَّهُ يَسْكُنُ السُّوقَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْيَمِينِ تَرْكَ الْمُسَاكَنَةِ فِي السُّوقِ حُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلَالَةٌ فَقَالَ نَوَيْت الْمُسَاكَنَةَ فِي السُّوقِ أَيْضًا فَقَدْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ قَالُوا إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَسَكَنَ أَحَدَهُمَا فِي دَارٍ وَالْآخَرُ فِي دَارٍ أُخْرَى فِي قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ دَرْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى تَجْمَعَهُمَا السُّكْنَى فِي دَارٍ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ هِيَ الْمُقَارَبَةُ وَالْمُخَالَطَةُ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ إذَا كَانَا فِي دَارَيْنِ وَذَكَرَ الْكُوفَةَ لِتَخْصِيصِ الْيَمِينِ بِهَا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِمُسَاكَنَتِهِ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَنْ لَا أَسْكُنَ الْكُوفَةَ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ صُدِّقَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي الدَّارِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ أَنَّ مَلَّاحًا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فِي سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ وَاتَّخَذَهَا مَنْزِلَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ إذَا جَمَعَتْهُمْ خَيْمَةٌ.
وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْخِيَامُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ تَقَارَبَتْ لِأَنَّ السُّكْنَى مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَادَةِ وَعَادَةُ الْمَلَّاحِينَ السُّكْنَى فِي السُّفُنِ وَعَادَةُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ السُّكْنَى فِي الْأَخْبِيَةِ فَتُحْمَلُ يَمِينُهُمْ عَلَى عَادَاتِهِمْ وَأَمَّا الْإِيوَاءُ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَأْوِي فِي مَكَان أَوْ دَارٍ أَوْ فِي بَيْتٍ فَالْإِيوَاءُ الْكَوْنُ سَاكِنًا فِي الْمَكَانِ فَأَوَى مَعَ فُلَانٍ فِي مَكَان قَلِيلًا كَانَ الْمُكْثُ أَوْ كَثِيرًا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا حَنِثَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَيَكُونُ عَلَى مَا نَوَى وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَأْوِيهِ وَفُلَانًا بَيْتٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيوَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَصِيرِ فِي الْمَوْضِعِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {سَآوِي إلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ} أَيْ أَلْتَجِئُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي قَلِيلِ الْوَقْتِ وَكَثِيرِهِ وَقَدْ كَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ: إنَّ الْإِيوَاءَ مِثْلُ الْبَيْتُوتَةِ وَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُقِيمَ فِي الْمَكَانِ أَكْثَرَ اللَّيْلِ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْإِيوَاءَ كَمَا يَذْكُرُونَ الْبَيْتُوتَةَ فَيَقُولُونَ فُلَانٌ يَأْوِي فِي هَذِهِ الدَّارِ كَمَا يَقُولُونَ يَبِيتُ فِيهَا وَأَمَّا إذَا نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْإِيوَاءَ وَيُرِيدُونَ بِهِ السُّكْنَى وَالْمَقَامَ وَقَدْ رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ آوَانِي وَإِيَّاكَ بَيْتٌ أَبَدًا عَلَى طَرْفَةِ عَيْنٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ وَقَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّ اللَّفْظَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ.
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْوِي فُلَانًا وَقَدْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي عِيَالِ الْحَالِفِ وَمَنْزِلِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُعِيدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا كَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي عِيَالِ الْحَالِفِ فَهَذَا عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ نَوَى أَنْ لَا يَعُولَهُ فَهُوَ كَمَا نَوَى وَكَذَلِكَ إنْ نَوَى لَا يُدْخِلُهُ عَلَيْهِ بَيْتَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَأْوِيهِ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ ضَمُّهُ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْزِلِهِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْقِيَامُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَى شَيْءٍ وَإِلَّا يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ فَإِنْ دَخَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَرَآهُ فَسَكَتَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَإِذَا لَمْ يَأْمُرْهُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلُهُ.
وَقَالَ عُمَرُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْإِيوَاءُ عِنْدَ الْبَيْتُوتَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنْ نَوَى الْمَبِيتَ فَهُوَ عَلَى ذَهَابِ الْأَكْثَرِ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ عَلَى ذَهَابِ سَاعَةٍ.
(وَأَمَّا) الْبَيُّوتَةُ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيتُ مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَبِيتُ فِي مَكَانِ كَذَا فَالْمَبِيتُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَإِذَا كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَحْنَثْ وَسَوَاءٌ نَامَ فِي الْمَوْضِعِ أَوْ لَمْ يَنَمْ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْكَوْنِ فِي مَكَان أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِ لَيْلًا يُقِيمُ عِنْدَهُ قِطْعَةً مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يُقَالُ بَاتَ عِنْدَهُ وَإِذَا أَقَامَ أَكْثَرَ اللَّيْلِ يُقَالُ بَاتَ عِنْدَهُ وَيُقَالُ فُلَانٌ بَائِتٌ فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فِي غَيْرِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ النَّوْمُ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ لُغَةً كَمَا لَا يَقْتَضِي الْيَقَظَةَ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهِ وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَبِيتُ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَقَدْ ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ ثُمَّ بَاتَ بَقِيَّةَ اللَّيْلِ قَالَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ إذَا كَانَتْ تَقَعُ عَلَى أَكْثَرِ اللَّيْلِ فَقَدْ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ:

فَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَسْتَخْدِمُ خَادِمَةً لَهُ قَدْ كَانَتْ تَخْدُمُهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَجَعَلَتْ الْخَادِمَةُ تَخْدُمُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهَا حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمَّا مَكَّنَهَا مِنْ الْخِدْمَةِ فَقَدْ تَرَكَهَا عَلَى الِاسْتِخْدَامِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْهَا فَقَدْ اسْتَخْدَمَهَا دَلَالَةً وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْدِمْ نَصًّا صَرِيحًا وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ عَلَى خَادِمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا فَخَدَمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ سَبْقِ الِاسْتِخْدَامِ لِيَكُونَ التَّمْكِينُ مِنْ الْخِدْمَةِ إبْقَاءً لَهَا عَلَى الِاسْتِخْدَامِ وَلِتَعَذُّرِ جَعْلِ التَّمْكِينِ دَلَالَةَ الِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَ جَارِيَةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ إذْنًا بِهِ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَهُوَ الْفَرْقُ حَتَّى لَوْ كَانَ نَهَى خَادِمَتَهُ الَّتِي كَانَتْ تَخْدُمُهُ عَنْ خِدْمَتِهِ ثُمَّ خَدَمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قِيلَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ بِالتَّمْكِينِ قَطَعَ اسْتِخْدَامَهَا السَّابِقَ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهَا بِغَيْرِ اسْتِخْدَامٍ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا تَخْدُمُهُ فُلَانَةُ فَخَدَمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ وَهِيَ خَادِمَتُهُ أَوْ خَادِمَةُ غَيْرِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِهَا وَهُوَ خِدْمَتُهَا لَا عَلَى فِعْلِهِ وَهُوَ اسْتِخْدَامُهُ وَقَدْ خَدَمَتْهُ.
وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ بَيْتِهِ فَهُوَ خِدْمَتُهُ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ خَادِمَةً لِفُلَانٍ فَسَأَلَهَا وَضُوءًا أَوْ شَرَابًا أَوْ أَوْمَأَ إلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حِينَ حَلَفَ حَنِثَ إنْ فَعَلْت ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَفْعَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِهَا فَتُعِينَهُ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى تُعِينَهُ لِأَنَّهُ عَقَّهُ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ وَقَدْ اسْتَخْدَمَ وَإِنْ لَمْ تُجِبْهُ فَإِنْ عَنَى أَنْ تَخْدُمَهُ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ حَلَفَ لَا يَخْدُمُنِي خَادِمٌ لِفُلَانٍ فَهُوَ عَلَى الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ وَالصَّغِيرُ الَّذِي يَخْدُمُ وَالْكَبِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّ اسْمَ الْخَادِمِ يَجْمَعُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.